قصة بسالة جزاء الغريبة من أهل العوالي
من القصص الطريفة قصة من قصص بني علي، أهل العوالي، في المدينة المنورة، وهي قصة الفارس الشجاع، الأبيّ، المقدام، جزاء الغريبة (على وزن تصغير الغربة أي القربة أو الدلو)، من الغريبات من العبدة، من بني عليّ من قبيلة حرب، من سكان العوالي، وطرافة القصة تكمن في كونه شاباً يافعاً ليس له تجربة في المعارك، ومقارعة الأقران الشجعان بالسيوف، على ظهور الخيل، ومع ذلك فهو حضري في المدينة المنورة، لم يعش في ظهراني البادية، التي تصنع عادةً الفرسان، وتعوّدهم على الخشونة، والصبر على قساوة الظروف، ومع هذا كله، أبى إلا أن ترعى إبله في الأرض التي تحبها، والتي هي أمرأ المراعي، حتى وأن كان رعيها فيها عرضةً لأخذها، وقتل من يقاتل دونها 0
وتلخص قصة هذا الشاب العلوي الحربي كما يلي:
كان لهذا للشاب الشجاع المعروف جزاء الغريبة، إبلٌ يملكها عن أبائه، وكان راعيها الذي يرعاها، ابن عم له يقال له المعكالي من المعاكلة وهم قومٌ معروفين من العبدة أيضا، ولكن المعكالي هذا كان من أهل نجد، وذات يومٍ قال جزاء الغريبة لراعيه:
لماذا الإبل تحن و تتلافت إلى الشمال ؟! قال له الراعي (المعكالي): إنها تريد مداهلها التي تصدر إليها كل ظمئ في الماضي0 قال جزاء الغريبة: ولِمَ تمنعها من أن تعزب إلى مرعاها في العادة ؟
قال الراعي: لأن العرب منذرون ولا أحد منهم يعزب شمالاً 0
قال الغريبة : من أي شيء منذرون ؟
قال الراعي: من غزوٍ قادماً إلينا من جهة الشمال 0
قال الغريبة : أترك الإبل تصدر إلى المكان الذي تريده، ولا تخف أنا سأكون معك هذا الظمئ، على فرسي جنباً0
قال المعكالي(الراعي): يا الغريبة إن طعت شوري لا تعرض نفسك وحلالك للخطر، ولا تظنك أشجع أو أفهم
من سائر الناس الذين جعلوا طرشهم يصدر جنوباً خوفاً عليه من الأخيذ0
قال الغريبة: أليست الإبل إبلي ، والذي سيواجه الخطر أنا بنفسي ؟
قال الراعي:بلى0
قال الغريبة: إذن أفعل ما قلت لك، ودع الباقي على الله ثم علي0
قال الراعي: وذات يومٍ بينما أنا وجزاء الغريبة نشتوي أرنباً، وإبلنا منتشرةً في الفلاة، فإذا بي أرى جيش الغزو تجري إلى إبلنا وتجمعها بسرعة متجهين فيها إلى الشمال، فقلت: يا جزاء 0 قال جزاء: نعم0 قلت: انظر انظر، ألم أقل لك إن المنذر متأكد من وجود الغزو ؟!
قال جزاء : أخرج الأرنب من النار0
قلت: وش تبي بها (ماذا تريد أن تفعل بها ؟! )
قال: أريد أن نأكلها، خذ نصفها، وأعطني النصف الآخر0
قال الراعي: فأخرجت الأرنب ورميتها إليه كاملة، وقلت خذها كلها كلها أنت، أنا ما ابيها ( أنا لا أريد منها شيئاً )0
قال الراعي: فأخذها جزاء ونصفها نصفين، رمي إليّ نصفاً، أكل النصف الآخر، وأنا أنظر إليه، وأسخر من فعله، فلما انتهى من أكل الأرنب، ركب فرسه0
وقال لي: المعكالي0 قلت: وش تبي ( ماذا تريد؟! )
قال: من أي جهة أتيهم ؟
قال الراعي، قلت: يا ويلي ويلاه يا الحضري ! أبك من وين ماتبي ( يا ويلتاه من جهل يا الحضري بالفروسية لا أبا لك إيتهم مِن حيث شئت )0
فلكز فرسه نحو القوم، فلم يخرج منهم إلا وقد قتل من في طريقه، وهو يعتزي ، ويقول: أبشرن بالفك
يحم الذرى، خيالكن وأنا ابن علي0
ولم يكاد يحرف فرسه إليهم ثانيةً إلا وقد فروا القوم شتاتاً، تاركين الإبل، فإذا بالإبل تقف، تنثر الماء
وتدر على أولادها ترضعها، ليس عندها سواء أنا وهو، ولا أعلم لو قال وبعض الجنائز وركائبهم 0
فقلت له: أبك أثرك مصيبة ؟ !
فأبتسم 0
فذهبت وحلبت له ناقةً صعوداً، فلما ذاق لبنها، قال: يا المعكالي !
قلت: نعم0
قال: هذا الحليب أول مرة تحلبه لي، هو حالي وإلا يورّى لي( أهو حالي أم يترآى لي إنه حالي ) ؟ !
قلت: نعم هذا حليب صعود حالي ومن أول تاركه لراسي، وهالحين حلبته لك لأنك تستاهله0 ( نعم حالي لأنه حليب ناقة مصعد، أي قد سقط ولدها قبل تمائمه في بطنها، فكان لبنها حالياً ) 0
قال :لا، يا المعكالي ما عليك زود، وهذا الحليب لك دائم، وتستاهله، وتراك مسامحاً بشربه0